كثرت الأقوال والفتاوى حول موضوع الاختلاط، ويقصد به اختلاط الجنسين. فهل يعد كل اختلاط بين المرأة والرجل ممنوعًا أو حرامًا؟ وكيف يمكن أن تعيش المرأة بغير الرجل في عصر تشابكت فيه العلاقات وتعقدت؟ ولم يعد ممكنًا أن تسجن المرأة في قفص المنزل، حتى ولو كان القفص من ذهب، فلن يعدو كونه سجنًا. يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي: أود أن أبادر فأقول : إن كلمة "الاختلاط" في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، كلمة دخيلة على "المعجم الإسلامي" لم يعرفها تراثنا الطويل العريض طوال القرون الماضية، ولم تعرف إلا في هذا العصر، ولعلها ترجمة لكلمة "أجنبية" في هذا المعنى، ومدلولها له إيحاء غير مريح بالنظر لحس الإنسان المسلم. وربما كان أولى منها كلمة "لقاء" أو "مقابلة" أو "مشاركة" الرجال للنساء، ونحو ذلك. وعلى كل حال، فإن الإسلام لا يصدر حكمًا عامًا في مثل هذا الموضوع، وإنما ينظر فيه على ضوء الهدف منه، أي المصلحة التي يحققها، والضرر الذي يخشى منه، والصورة التي يتم بها، والشروط التي تراعي فيها ..إلخ، وخير الهدي في ذلك هدى محمد r وهدي خلفائه الراشدين، وأصحابه المهديين. والناظر في هذا الهدي يرى أن المرأة لم تكن مسجونة ولا معزولة كما حدث ذلك في عصور تخلف المسلمين، فقد كانت المرأة تشهد الجماعة والجمعة، في مسجد رسول الله r وكان عليه الصلاة والسلام يحثهن على أن يتخذن مكانهن في الصفوف خلف صفوف الرجال، وكلما كان الصف أقرب إلى المؤخرة كان أفضل، خشية أن يظهر من عورات الرجال شيء، وكان أكثرهم لا يعرفون السراويل..ولم يكن بين الرجال والنساء أي حائل من بناء أو خشب أو نسيج، أو غيره. وكانوا في أول الأمر يدخل الرجال والنساء من أي باب اتفق لهم، فيحدث نوع من التزاحم عند الدخول والخروج، فقال r: "لَوْ أَنَّكُمْ جَعَلْتُم هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ" فخصصوه بعد ذلك لهن، وصار يعرف إلى اليوم باسم "باب النساء". وكان النساء في عصر النبوة يحضرن الجمعة، ويسمعن الخطبة، حتى إن إحداهن حفظت سورة "ق" من فيّ رسول الله من طول ما سمعتها من فوق منبر الجمعة. وكان النساء يحضرن كذلك صلاة العيدين، ويشاركن في هذا المهرجان الإسلامي الكبير، الذي يضم الكبار والصغار، والرجال والنساء، في الخلاء مهللين مكبرين. روى مسلم عن أم عطية قالت: كنا نؤمر بالخروج في العيدين، والمخبأة والبكر، وفي رواية قالت: أمرنا رسول الله r أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحُيَض وذوات الخدور، فأما الحُيَض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: "لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا". وهذه سنة أماتها المسلمون في جل البلدان أو في كلها، إلا ما قام به مؤخرًا شباب الصحوة الإسلامية الذي أحيوا بعض ما مات من السنن، مثل سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وسنة شهود النساء صلاة العيد، وكان النساء يحضرن دروس العلم مع الرجال عند النبي r ويسألن عن أمر دينهن مما قد يستحي منه الكثيرات اليوم، حتى أثنت عائشة (رضي الله عنها) على نساء الأنصار، أنهن لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين، فطالما سألن عن الجنابة والاحتلام والاغتسال والحيض والاستحاضة ونحوها. ولم يشبع ذلك نهمهن لمزاحمة الرجال واستئثارهم برسول الله r فطلبن أن يجعل لهن يومًا يكون لهن خاصة، لا يغالبهن الرجال ولا يزاحموهن وقلن في ذلك صراحة : يا رسول الله، قد غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا فلقيهن فيه ووعظهن وأمرهن. وتجاوز هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في المجهود الحربي في خدمة الجيش والمجاهدين، بما يقدرون عليه ويُحسنّ القيام به، من التمريض والإسعاف ورعاية الجرحى والمصابين، بجوار الخدمات الأخرى من الطهي والسقي وإعداد ما يحتاج إليه المجاهدون من أشياء مدنية . عن أم عطية قالت : غزوت مع رسول الله r سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى. وروى مسلم عن أنس عن عائشة وأم سليم، كانتا في يوم أحد مشمّرتين، تنقلان القرب على متونهما وظهورهما ثم تفرغانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملأنها. ووجود عائشة هنا وهي في العقد الثاني من عمرها يرد على الذين ادعوا أن الاشتراك في الغزوات والمعارك كان مقصورًا على العجائز والمتقدمات في السن، فهذا غير مسلّم، وماذا تغني العجائز في مثل هذه المواقف التي تتطلب القدرة البدنية والنفسية معًا ؟ وروى الإمام أحمد: أن ست نسوة من نساء المؤمنين كن مع الجيش الذي حاصر خيبر يتناولن السهام، ويسقين السويق ويداوين الجرحى ويغزلن الشعر، ويعن في سبيل الله، وقد أعطاهن النبي r نصيبًا من الغنيمة، بل صح أن نساء بعض الصحابة شاركن في بعض الغزوات والمعارك الإسلامية بحمل السلاح، عندما أتيحت لهن الفرصة، ومعروف ما قامت به أم عمارة نسبية بنت كعب يوم أحد، حتى قال عنها r : "لَمُقَامُها خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ". وكذلك اتخذت أم سليم خنجرًا يوم حنين، تبقر به بطن من يقترب منها، وروى مسلم عن أنس ابنها: أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها، فرآها أبو طلحة زوجها فقال: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر فقال لها رسول الله :"مَا هَذَا الْخِنْجَر" ؟ قالت: اتخذته، إن دنا منى أحد المشركين بقرت به بطنه فجعل رسول الله يضحك. وقد عقد البخاري بابًا في صحيحه في غزو النساء وقتالهن. ولم يقف طموح المرأة المسلمة في عهد النبوة والصحابة للمشاركة في الغزو عند المعارك المجاورة والقريبة من الأرض العربية كخبير وحنين، بل طمحن إلى ركوب البحار، والإسهام في فتح الأقطار البعيدة لإبلاغها رسالة الإسلام . ففي صحيح البخاري ومسلم عن أنس: أن رسول الله قالْ عند أم حرام بنت ملحان خالة أنس يومًا، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فركبت أم حرام البحر في زمن عثمان، مع زوجها عبادة بن الصامت إلى قبرص، فصرعت عن دابتها هناك، فتوفيت ودفنت هناك، كما ذكر أهل السير والتاريخ . وفي الحياة الاجتماعية شاركت المرأة داعية إلى الخير، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، كما قال تعالى: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{ [التوبة: 71]. ومن الوقائع المشهورة رد إحدى المسلمات على عمر في المسجد في قضية المهور، ورجوعه إلى رأيها علنًا، وقوله : "أصابت المرأة وأخطأ عمر" وقد ذكرها ابن كثير في تفسير سورة النساء، وقال : إسنادها جيد. وقد عين عمر في خلافته الشفاء بنت عبد الله العدوية محتسبة على السوق، والمتأمل في القرآن الكريم وحديثه عن المرأة في مختلف العصور، وفي حياة الرسل والأنبياء لا يشعر بهذا الستار الحديدي الذي وضعه بعض الناس بين الرجل والمرأة . فنجد موسى u وهو في ريعان شبابه وقوته يحادث الفتاتين ابنتي الشيخ الكبير، ويسألهما وتجيبانه بلا تأثم ولا حرج، ويعاونهما في شهامة ومروءة وتأتيه إحداهما بعد ذلك مرسلة من أبيها تدعوه أن يذهب إلى والدها، ثم تقترح إحداهما على أبيها بعد ذلك أن يستخدمه عنده، لما لمست فيه من قوة وأمانة . وفي قصة مريم نجد زكريا يدخل عليها المحراب، ويسألها عن الرزق يجده عندها: }كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{[آل عمران: 37]. وفي قصة ملكة سبأ نراها تجمع قومها تستشيرهم في أمر سليمان: }قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{ [النمل: 32-34]. وكذلك تحدثت مع سليمان u وتحدث معها: }فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ [النمل: 42-44]. ولا يقال : إن هذا شرع من قبلنا فلا يلزمنا، فإن القرآن لم يذكره إلا لأن فيه هداية وذكرى وعبرة لأولي الألباب، ولهذا كان القول الصحيح: أن شرع من قبلنا المذكور في القرآن والسنة هو شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه..وقد قال تعالى لرسوله: } أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ{ [الأنعام:90]. إن إمساك المرأة في البيت، وإبقاءها بين جدرانه الأربعة لا تخرج منه اعتبره القرآن في مرحلة من مراحل تدرج التشريع قبل النص على حد الزنا المعروف عقوبة بالغة لمن ترتكب الفاحشة من نساء المسلمين، وفي هذا يقول تعالى في سورة النساء: }وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فإن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا{ [النساء:15]. وقد جعل الله لهن سبيلاً بعد ذلك حينما شرع الحد، وهو العقوبة المقدرة في الشرع حقًا لله تعالى، وهي الجلد الذي جاء به القرآن لغير المحصن، والرجم الذي جاءت به السنة للمحصن. فكيف يستقيم في منطق القرآن والإسلام أن يجعل الحبس في البيت صفة ملازمة للمسلمة الملتزمة المحتشمة، كأننا بهذا نعاقبها عقوبة دائمة وهي لم تقترف إثمًا ؟ والخلاصة: أن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته إذن ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع، أو عمل صالح، أو مشروع خيّر، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونًا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ. ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا، إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام ومنها: 1- الالتزام بغض البصر من الفريقين، فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{[النور:30-31]. 2- الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم، الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: }وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{[النور:31] وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ [الأحزاب: 59] أي أن هذا الزي يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى، لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها. 3- الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء وخصوصا في التعامل مع الرجال: أ – في الكلام، بحيث يكون بعيدًا عن الإغراء والإثارة، وقد قال تعالى: } يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا{ [الأحزاب:32]. ب- في المشي، كما قال تعالى: }وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ{[النور:31]،وأن تكون كالتي وصفها الله بقوله: }َجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء{[القصص: 25]. ج- في الحركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشريف بـ"المميلات المائلات" ولا يصدر عنها ما يجعلها من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة. 4- أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال. 5- الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ" إذ لا يجوز أن يخلي بين النار والحطب. وخصوصًا إذا كانت الخلوة مع أحد أقارب الزوج، وفيه جاء الحديث: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"، أي: هو سبب الهلاك؛ لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد. أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال، والله الهادي إلى سواء السبيل.